أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رعد خالد تغوج - جينالوجيا الخطاب الغربي المعاصر















المزيد.....



جينالوجيا الخطاب الغربي المعاصر


رعد خالد تغوج

الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 00:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جينالوجيا الخطاب الغربي المعاصر ( الموت والانهيار الحضاري) بحث في الأثيكا اليونانية ودورها في بناء المركزية الأوربية


لاح في بعض الآونة الأخيرة إن الفلسفة على وشك الموت،وأنها تلقط أنفاسها الأخيرة بين سائر الفروع المعرفية الأخرى التي تجاوزنها وصفعتها بعد أن كانت ترسم لها حدودها وتظهر لها ما تحمله في طياتها من تناقضات داخلية أو تعرجات غير منطقية .
ذلك أنه زهاء قرنين ونيف من الزمان ،استولت فيه الفلسفة فيما استولت عليه من خطاب سلطوي فوقي يترفع على سائر العلوم والفروع المعرفية الأخرى ،
بتبنيها مناهج من مضارب مختلفة ،سواء من شكية ديكارت المنهجية أو هندسية أسبينوزا أو وضعية أ.كونت المنطقية، ووصولا إلى فنيومينولوجية هوسرل وبنيوية فوكو وتفكيكية دريدا وليوطار ودلوز،ومن هنا كانت سلطتها ،بسبب ما تفرضه على سائر العلوم من مناهج وحدود وترسيمات هي في الواقع من وضع خارجي لا يمت بصلة إلى أي من هذه الفروع ،ولهذا جرى في الفترة الأخيرة وعلى يد مؤرخين العلم والفكر وفلاسفة العلم (الابستملوجيا) ،الحديث بزخم وكثرة عن هذا الخارج البعيد الذي لا ينفك يسوس العلوم على طريقته الخاصة ويخضعها لما هو خارج عنها .

ولا بد هنا من توضيح دلالي ،وهو ذو طابع فلسفي أو يخص الفلسفة ،وهو الفرق بين النقد والإشكالية بمعنى الأشكلة (أي جعل الشيء تحت طائلة النقد بعدما كان يعتبر بديهية أو لا مفكر فيه)،ذلك أن الفلسفة كما يبدو ذلك جليا في تاريخها التراكمي ،تخضع لنوع من النقد التراكمي أيضا ،بمعنى أنه عند دراسة تاريخ الفلسفة ،يجب دراسة تاريخ نقد الفلسفة أيضا،هذا من ناحية ،أما من ناحية أخرى هي أن كل شخص يرتفع إلى مستوى فيلسوف لابد وأن يكون قد تجاوز عصره وفلاسفة عصره كذلك،و لا يتم ذلك إلا بنقدهم وتأويلهم وتفكيكهم أو أعادة أنتاجهم من جديد بما يتواءم مع كل فيلسوف وعصره ،وعن ذلك يقول أدموند هوسرل :أن الثورات الحاسمة بالنسبة الى تقدم الفلسفة،أنما هي تلك التي يتم فيها هدم أدعاء الفلسفات السابقة انها علم،عن طريق نقد طريق سيرها العلمي المزعوم،وعندئذ تنهض الرغبة الواعية تماما،لتنشئ من جديد ،وعلى نحو جذري ،الفلسفة بمعنى العلم الدقيق.

الا أن هذا النظرة ليست كل ما يدخل في مضمار الفلسفة ،لأنها لا تبحث الا بالجانب الأول من الفلسفة وهو النقد وتغاضت بطرفها عن عملية الأشكلة التي مارسها جل الفلاسفة الغربيين أبتداءا من سقراط الذي وضع الأخلاق (الأثيكا ) تحت طائلة الأشكلة،بمعنى أنه وفي المرحلة الما قبل سقراطية كان الفيلسوف يعرف ويحسب أنه فيلسوف أعتمادا على بحثه في النشكونيات وأصل المادة الأولى التي منها جاء هذا العالم الى الوجود ،ومن أمثال هذا النوع من الفلاسفة :طاليس وانكسمندر وأنكسيمانس وأنكساغوراس وبروتاغوراس وديمقريطس وهيراقليطس وأكسوفونان وغيرهم ،وهولاء فلاسفة مارسوا النقد ،الى أن جاء سقراط وحول السؤال الفلسفي نفسه من سؤال كوزموبلوتي الى سؤال اخلاقي.

وهنا نلاحظ أن البحث في ماهية الأخلاق في المرحلة الماقبل سقراطية كان يخضع للأساطير والشعراء والمؤرخين من أمثال هزيود و هوميروس الذين يوجد في كتاباتهم بعض المسحات الأخلاقية ،وتلا ذلك مجيء سقراط الذي جعل من الأخلاق قضية فلسفية بالأصل.
وهنالك أمثلة كذلك على هذا النوع من التحويل أو التحوير في السؤال الفلسفي،فمثلا كان الفكر الغربي يعتبر قضية الجنسانية قضية نفسية بالأصل ،ولهذا أنكب علماء النفس من أيام أفلاطون التي طرحها في محاوراته ووصولا إلى سكنر وواطسن وأش وفرويد ويونغ ،على إدخال الجنسانية في مضمار علم النفس بمدارسه المختلفة ،الى أن جاء ميشيل فوكو وجعل منها بالأساس قضية فلسفية ،وربط بينها وبين عصر الملكة فكتوريا (الذي أورثنا أنحطاطا فكريا) وكذلك بينها وبين الرأسمالية في تهكمه على الماركسية ،وبهذا تم المصادرة على حقل معرفي بكامله وتحويره وأشكلته ليصبح قضية فلسفية كما يقول س.تايلور .
هذا غيض من فيض مما يحويه تاريخ الفلسفة من تحويل وائتلاف واختلاف في طبيعة السؤال الفلسفي نفسه ،فمن كوزموبولتية الأيونيين والأيليين الى أخلاقية سقراط ومثالية أفلاطون ومنطق أرسطو وإلاهيات أفلوطين ،مرورا بمنهجية ديكارت وهندسية أسبينوزا ونفسية هوبز ولوك وهيوم وتوماس ريد ،ووصولا الى الفلسفة المعاصرة وسؤال هايدجر الزمن-وجودي ،لتصبح بعدها الفلسفة على يد مدرسة الحوليات الفرنسية سؤالا تاريخيا،وعلى يد رولان بارت وبول ريكور سؤالا سرديا، ولغويا على يد جاك دريدا والبراغماتية الجديدة المتمثلة في شخص ريتشارد روتري.

ولا يسع الباحث في تاريخ الفلسفة الا أن يلاحظ وجود نوع من الأتصال والتغير بقدر وجود الأنفصال والتحوير في طبيعة الفكر الفلسفي نفسه ،وبمعنى أكثر فلسفية ،بزوغ خطاب الصيرورة في الوقت عينه الذي يأخذ خطاب الكينونة مكانه خلف ستارة الفكر الفلسفي،أو العكس،وهذا ما عبر عنه أفلاطون في محاورة تيماوس عندما قال:(أيهما يكون في صيرورة تامة ولا يكون أبدا في كينونة ؟،وأيهما يكون في كينونة تامة ولا يكون أبدا في صيرورة)،وهذا ما كان شاغل الفلاسفة الأغريق في المرحلة الأولى المسماة بالماقبل سقراطية ،وخصوصا عند النقيضان الكبيران كما يسميهما أرمسترونغ :هيراقيطس وبارومنيدس

وأذا كان شاغل الفلاسفة دائما وعبر التاريخ هو أثارة السؤال ،فما الفلسفة اذا بتاريخها الطويل الا تاريخ سؤال،وأن هذا الشاغل قد تحول من اثارة الاسئلة في العديد من القضايا والاشكاليات التي نواجهها اليوم ،الى التساؤل عن مستقبل السؤال ذاته!،بمعنى أنه ما كاد السؤال عن بداية الفلسفة وأصلها ينتهي ،حتى لاح في الأفق السؤال عن نهايتها أو موتها كما بات يقال اليوم.

هذه الأطروحة لاقت أصداءا لها عند جل الفلاسفة المعاصرين ،ابتداءا من مطرقة نيتشه وأسلحته التي اعملها لنقد الميتافيزيقيا الغربية (وقلب كل القيم )(وتحطيم كل الأصنام التي عبدناها لليوم) و(الأنتصار للحياة)و(أرادة الحياة ).
وعند لويس التسوير ايضا وقرائته للماركسية ونصوصها ،بهدف غربلتها ،و(بيان الأيدلوجي والأبستملوجي فيها)،مرورا بمارتن هايدجر ونقده للنزعة الأنسانية والذات،و(التأريخ للنسيان،نسيان الموجود للوجود)،ذلك أن (الميتافيزيقيا الغربية بقدر ما تسأل عن الموجود بما هو موجود تبقى بجانب الموجود ولا تعود الى الوجود بما هو وجود)،فالميتافيزيقيا الغربية عنده من أفلاطون حتى نيتشه هي ميتافيزيقيا الموجود.

ومن الأمثلة على الفلاسفة (الموتسانيين) ------ 1
البنيوية ،وخصوصا بنيوية كلود ليفي ستراوس الأنثروبولوجيه ،وكذلك الأركيولوجيا المتمثلة بفلسفة ميشيل فوكو ومشروعه الضخم لنقد النزعة الأنسانية من جذورها ،وخصوصا أنه أنتحل لمشروعه النقدي ميدان نشأة العلوم والمعارف الذي ظل مهملا الى ذلك الحين،الى أن جاء فوكو وقام بعزله عن كل من :الحياة والأنسان والتاريخ،
مبلورا نظريته القائلة بأن المعرفة –كمجال تاريخي تظهر في العلوم والمعارف الإنسانية –تتميز وتتسم بكونها متحررة من كل ذات مؤسسة ، وبذلك يكون فوكو قد قام في خطوة واحدة بإلغاء الذات الفعالة والمبدعة في مجال
المعرفة

------------------------

يرتبط الموت الطبيعي للأنسان بعلاقة شبه مقدسة مع الحرية ،وفي نفس الوقت ،وبعلاقة ضدية مع هذه المقدمة،لا توجد الحرية بمعزل عن الحياة والوجود،من أين جاءت أذن هذه الترابطات الدلالية التي يمكن ان نقول عنها دون حرج أنها دلالات عقيمة ذات لبوس عبثي؟
من الواضح ان المسيحية عبر تاريخها الطويل ،رسخت في عقول البشر قصة الخطيئة الأولى،التي تحيل في نفس الوقت الى (العقاب بالموت) لجنس بني البشر،ذلك أن الخطيئة الأولى –بلغة فرويدية – هي محض تعبير عن ممارسة الحرية لأول مرة في تاريخ البشرية ،ومن هنا يتضح هذا التشاحن التيرمولوجي بين عدة دلالات متباعدة عن بعضها البعض.

ولما كان الموت ذو طبيعة شخصانية ،نستطيع أن نقول أيضا بلغة فرويدية مطورة ،عن حتمية الأرتباط بينه وبين باقي القضايا الشخصانبة التي لا ضير في أن تكون متناثرة ومتخلخلة بل و متضاربة ،وهي ميزة الشخصانية التي رسختها الأرثوذكسية أيضا ،التي اقتاتت من موائد أفلاطون المثالية،والمعبر عنها في الثنائية الميتافيزيقية الشهيرة:الجسد والنفس،العقل والشعور و...الخ من الثنائيات الكلاسيكية المعروفة.

وكما أن من طبيعة الشخصانية التضارب والتعاكس والعلاقات الضدية والتنافر ،التي تكون في بنيتها السيكولوجية نفسها ذات طابع أنطيلوجي أن جاز هذا التعبير ،كذلك الموت ايضا الذي يحيل في بنيته اللا أنطيلوجية الى الشخصانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات،ومن هنا كان هذا
التضارب بين أرادتين متعاكستين داخل حضارة واحدة قدست الموت وأحتفت به وأعادت أنتاجه عبر عصورها الطويلة التي تزيد على قرنين ونيف من الزمان.


فهي ليست أزمة فيلسوف أعلن موت الإله (نيتشه)،أو أخر أعلن موت الأنسان (هايدغر)،وغيره أعلن موت المؤلف(رولاند بارت)،أو موت الذات(فوكو)،أو موت المثقف (سارتر) ،أو موت التاريخ (فوكوياما) ،
بل هي أزمة حضارة قدمت كل ما تملكه من قرابين مقدسة الى إلهة
الموت المبجلة ،وأخذت على عاتقها مهمة التنبأ بالميتات التي ستصيب أي شيء عما قريب،ألم يقل جاك دريدا يوما (أنها فريدة في كل مرة ،نهاية العالم)،
هذا تساؤل من أكبر فلاسفة القرن العشرين عن كيفية التمييز بين خطاب النهاية من جهة ،وما يسمى بالخطاب حول النهاية من جهة أخرى ،وهل يمكن أن تكون نهاية النهاية مفهومة لدى العقل الغربي؟،في محاولة منه لنقد أي بحث يروم الانطلاق ابستملوجيا من أي خطاب نيتشوي أو هايدغري أو فوكوي لتمويت أي شيء مستقبلا.

-----------------------

ومن الجدير بالملاحظة أن الخطاب الفلسفي المعاصر يميل بالأحرى الى الجزء ،ويتغاضى لا شعوريا عن الكل ،وهذا ردا منه على فلسفة العصور الوسطى التي جعلت من الكل عنوانا لها في الأنطلاق في البحث الفلسفي،وكرد فعل ايضا على الأنظمة الشمولية التي تهافتت على أوروبا القرن الثامن عشر والتاسع عشر ،وخصوصا فلسفة هيغل المثالية ،التي هي عبارة عن التجلي الحقيقي للعقل الاوروبي الذي أمن بالمطلق،فعند هيغل يكتمل العقل الأوروبي ويصل الى أعلى أنظمته المطلقة.

يقول هيغل(لم يحدث قط منذ إن استقرت الشمس في كبد السماء ، ودارت الكواكب دورتها حول الإنسان ،أن أدركنا إن وجود الإنسان يتمركز في رأسه ،اعني في فكره وانه ألهمه بناء الواقع)


هذا الغرور والكبرياء المعرفي بالإضافة إلى مقولات (العقل،والحقوق،والطبيعة،والحرية،والمساواة،والتسامح،والعلم والتقدم) ،هي التي ميزت عصر الأنوار الأوروبي بشكل عام ،والتنوير الفرنسي بشكل خاص،الذي أدى في النهاية الى الثورة الفرنسية عام 1789 التي هي نتاج الفكر والفلسفة كما يقول وليم رايت.

تمثل الثورة الفرنسية بالنسبة لمفكرين عصر الانوار ،التحقق الوجودي لما وصل اليه العقل الاوروبي من تقدم،يقول هيغل(الثورة الفرنسية نتجت من الفلسفة)،ولا مناص في أن تكون الفلسفة المعاصرة ،أو ما يعرف بما بعد الحداثة ،هي التشكيك بالحداثة الفلسفية نفسها،ذلك أن نقد مشروع الحداثة برمته يعتبر الأطروحة الفلسفية الوحيدة التي ترتمي بين جناحيها كافة الاتجاهات الفلسفية المعاصرة.

ومع هذا الأتساع المعرفي الذي شهدته أوروبا ،أصبح بالامكان في القرن العشرين ،النظر الى الماضي التراثي ككل واحد يأخذ مسافة بينه وبين أي فيلسوف يحاول قرائته ومن ثم نقده لتجاوزه الى مشاريع نقدية أخرى تتقدم فيها البشرية،وهذا ما يسمى بالوعي الحضاري .

ذلك أنه بالنسبة الى علم الاجتماع الحضاري ،ترتفع أي أمة الى مستوى الوعي الحضاري بعد أن يمر عليها المئات بل والالوف من السنين ،تتشكل فيها المعارف والثقافات ويظهر الفلاسفة والعلماء والمفكرين ،وتأخذ بتشكيل نفسها وبلورتها الى أن تصل الى هذه المرحلة من الوعي بتراثها،بعكس الحضارات الناشئة التي تبحث لها عن أصدقاء أولا، وتحاول مد جسور بينها وبين أربابها بالثقافة بقدر ما تمد خنادق بينها وبين أعدائها أو ما يسمى بالثقافة المضادة كما تقول جوليا كرستيفا من جماعة موسكو تارتو الفلسفية،
هذه التقافة المضادة هي التي تخترعها الحضارة في نشئتها الاولى ،وما هي الا محض صنع محلي أو ثقافة محلية ان جاز هذا التغبير تؤسسها السلطة داخل المخيال الجمعي للأمة بهدف حماية نفسها من الغزوات الثقافية الخارجية التي قد تزحزح السلطة وتخضعها لأرادتها ،فيأخذ المخيال الجمعي ببلورة ثقافة مضادة للتحصن من شرك الوقوع في مستنقغات التخلف والرجعية التي قد تودي بحياتها.

وهذا ما يفسر الصدمة الفلسفية الحاضرة الأن وبقوة داخل الخطاب الفلسفي المعاصر،ذلك أنه يجري الحديث وعلى أوسع المستويات وارفعها ،عن وجود أزمة حقيقية في الفلسفة ،ومنهم من يرى ذلك مجرد حتمية ضرورية كانت ستقع فيها أوروبا وامريكا أجلا أم أجلا بسبب ما ألت اليه من وعي ثقافي هائل تجاوز الواقع وأخذ يطرح اسئلة مستقبلية لم يحن وقتها بعد،ومنهم من وقف أيضا موقف المدافع عن الفلسفة،ونصب نفسه وصيا على تجديد الفلسفة لترتكز على يقينيات لا تقبل الشك أو الهدم .
يقول جورج جيبرنر عن الأسئلة التي تتجاوز الواقع وتسبقه:
إن بنية الثقافة الشعبية التي تربط عناصر الوجود بعضها ببعض ، وتشكل الوعي العام بما هو كائن ، بما هو هام ، وهو حق ، وما هو مرتبط بأي شيء آخر ، هذه البنية أصبحت في الوقت الحاضر منتجاً يتم تصنيعه
ويقول فرندياند الكييه ،استاذ الفلسفة في السوربون :

هذا ويقف أدموند هوسرل موقف الراغب في إنشاء فلسفة تكون بمثابة علم دقيق ،بعد أن عجزت طوال تاريخها الطويل عن ان ترتفع الى مستوى العلم الرياضي ذو المزعة اليقينية،عبر إنشائه المذهب الظاهراتي أو (الفينومينولوجي) ،الذي هو (مطلب العصر)،بعد نقده للمذهب التجريبي الذي يريد أن يخضع العلوم الانسانية لسلطة الرياضة والمنطق ،ونقده للمنطقية الوضعية أيضا، التي استولت باسم العلم الدقيق على كافة الفروع الانسانية،بردها الأشكاليات التي تطرحها إلى النموذج الرياضي،
ويؤكد فرانكلين باومر أن الوضعية المنطقية والماركسية والدارونية ،تتعاطى مع العلوم الانسانية كآلة يراد فحصها مما يعني أختزال الفكر والشعور بمحض عمليات فيزيقية ادت الى تكوينها .

ولا تخلو مدرسة فرانكفورت الفلسفية كذلك من إرهاصات بل ويقينيات من إنتهاء دور الفلسفة ، فأدورنو ، أحد رواد الرعيل الثاني من المدرسة النقدية يطرح تساؤلات مرتبطة بشكل أو بأخر بنهاية الفلسفة ، فيقول في : " بعد كل ما عرفناه عن الفلسفة ما زال ممكناُ أن نتحمل مسؤلية الخوض فيها ، إلا أنه بات من المستحيل الأن أن نستمر بإدعاءها الموهوم بأنها تقتحم المطلق ، لا بل عليها أن تقلع عن ذلك كي لا تخون منطلقاتها وتتجار بفكرة الحقيقة السامية بأسعار رخيصة".

وبعد أن كانت الفلسفة أم المعارف جميعا ،وحاضنتها التي تربيها وتسلك لها الطريق الصحيح ،أصبحت الان كالمرأة العاقر ،حيث لا ولد ولا تليد،بعجزها عن أن تصبح كباقي العلوم والمعارف الأخرى،والفيزيائية منها بالخصوص،يقينية لا تقبل الشك ،فالعلم الفيزيائي والرياضي يعلم ما يدرسه وما يبحثه،اما الفلسفة كما يقول كانط:ليس بأستطاعتنا تعلم الفلسفة ،بل التفلسف فقط ، ويضيف هوسرل معلقا عليه :ماذا يمكن ان يكون هذا ان لم يكن اعترافا بالطابع الغير علمي للفلسفة؟

ومن هنا تتضح الازمة التي تعاني منها الفلسفة في الخطاب الغربي المعاصر،نتيجة التطور التقني والتكنلوجي الهائل وما وصلت اليه بعض الفروع العلمية مثل الرياضيات والفيزياء من نتائج باهرة سهلت عملية التطور ،وما ألت اليه الرأسمالية من عولمة العلوم بحيث أصبح الحديث عن التقاطع الابستملوجي بين سائر العلوم والمعارف حديثا مقتضبا في الأونة الاخيرة،مما ادى الى انسحاب الفلسفة خلف ستار الفكر الغربي ،لتحل محلها العلوم الوضعية والمنطقية والرياضية من ناحية أنها تقدم يقينيات تفيد في التطور التكنولوجي ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى التحول نحو البرغماتية في العلوم الانسانية ،لأنها العلوم الوحيدة التي تهم –من الناحية السيسيولوجية – الواقع الاجتماعي-الاقتصادي ،وفي هذا يقول فيرنانت (ان الفضاء الأبستملوجي المزعوم للقرن العشرين ،أصبح ،بأسم مطلب الدقة والصرامة العلمية،يقضي بضرورة التحرر من شكلين متلازمين من الأوهام ،هما :النزعة التاريخية ،أي الطابع التاريخي للتجربة البشرية ،والنزعة الأنسانية )

هذه العبارة تذكرنا ب (الارغوان الجديد) ،ومحاولة فرنسيس بيكون صياغة منهج جديد في البحث الفلسفي ،يتم فيه التخلص من أوهام أربعة صاغها بيكون كما يلي:
1-أوهام القبيلة
2-أوهام السوق
3-اوهام الكهف
4-اوهام المسرح
هذه الأوهام الأربعة التي صاغها بيكون ،لو تم التخلص منها ،لأصبح بمقدورنا أنشاء فلسفة تكون بمثابة علم دقيق كما يقول هوسرل،
وأذا عرفنا الملابسات الأجتماعية والتشاحنات الفكرية التي كانته الفلسفة في عصر ما قبل بيكون ،سندرك القطيعة الأبستمية التي أحدثها بيكون مع سابقيه،ومن أهم ما حدث في هذا العصر الممتد من عام 1600حى عام 1690 قيام التيار المضاد لحركة الاصلاح الديني بقمع حرية الفكر في
ايطاليا ،التي بدأت أول ما بدأت النهضة على اراضيها من قبل دانتي الغيري وجيوفاني بوكاشيو وفرانشيسكو بتراركا وبرونو وغيرهم،مما ادى الى انتقال المركز الفكري الى أنجلترا،،التي أخذت فيها النهضة تيارا مخالفا لما كانته ايطاليا ،وفي المانيا كانت الحروب الدينية والمنازعات اللاهوتية تسيطر على المخاض الثقافي بكامله ،مما عاق عملية النهضة ،اما في أنجلترا وهولندا وفرنسا ،فساعدت الضروف الموضوعية لنشوء تيار تقدمي نهضوي يحمل في طياته تقدم الانسانية وتطورها ،ما يعني أن التيارات السائدة فيما قبل فترة بيكون كانت غائصة في مجادلات لاهوتية عقيمة تسود فيها الاساطير والمرويات بالأضافة الي قصص الجن والاشباح والسحر والشعوذة .

أما في عصرنا ،عصر تفكيك الميتافيزيقيا الغربية كما يقول جيل دلووز ،فأن
مقولة فيرنانت، وأطروحات ادموند هوسرل، ومحاولات ريتشارد روتيري والبرغماتية الجديدة ، وغيرها من الأطروحات ،جاءت للتخلص من نوع جديد من الأوهام ،مغاير كما ونوعا لأوهام بيكون الشعوذية ومنهجية ديكارت الشكية .
وتتبقى مسألة الانتقال من عولمة التكنولوجيا إلى تكنولوجيا العولمة ،التي تساعد في تأسيسها نقلة أخرى أثقل واطئة ،وان كانت تمارس عملها كالنملة الدءوب، التي تعمل ليلا نهارا ،ودون كلل او ملل، ومع هذا لا نلاحظ جهودها ،وهي ذات طبيعة سيسو لغوية ان جاز هذا التعبير،وهي واقعة الانتقال من اللغة القومية المحصورة بين ثقافة محدودة ،وبين حدود جغرافية مرسومة،الى اللغة الأممية ،التي سرعان ما أكتسحت بفضل الجهود الرأسمالية (والتي قامت بمصادرة تراثية هي الأخرى) الحدود والجغرافية والتاريخ ، ومن البدع التي يضرب بها المثل هنا ،هي بدعة الربط الحضاري بين أقليمين ،يقع الأول منهما في الجانب المتوسط غربي من أوروبا ،والجانب الأخر ،والذي تلا سابقه، هو الجانب الجنوب غربي من أوروبا ،ومن أمثلة هذا الأقليم جرى محاولة الأنتقاء الجغرافي أيضا ،عبر المصادرة الأنتقائية على مناطق التنوير الأوروبي ،وهذه المصادرة لن تبدو جلية الا اذا تفحصنا الأكثرية الدوغمائية والأقلية التنويرية ،مثل ما حصل في مرحلة التنوير بين الكاثوليكية الغالبة والبروتستانتية المهزومة،وهذا يعني أنه في البدء عندما كانت الثورة الفرنسية هي التحقق الفعلي للجهود الفلسفية التي قادها فولتير وروسو وديدرو ودالمبير وغيرهم من اصحاب الموسوعة،ظن المؤرخون ان ما حصل فعلا هو تحقق وجودي لمبادىء الفلسفة التي نادوا بها من أيام كانط (في كتابه مشروع دائم للسلم )الذي بمقتضاه أنشئت فيما بعد عصبة الأمم المتحدة---------2
رغم أن تنويرا بريطانيا كان موجودا بصورة اكبر ،وان لم يحظى بأهتمام أممي كما حصل في باريس وصالوناتها الفكرية،وهذا ما تنبه له المؤرخون حديثا من أنكار الدور البريطاني وتهميشه ،والدور الألماني وطمسه ايضا ،
والتي بمقتضاها ،أصبحت مقولة بيتر غاي التي تنص ،بل تضع دستورا حرفيا ،بأن التنوير واحد أحد ،موضوعة تحت طائلة النقد الأنثروبولوجي المقارن.
ومع أنه من الواضح أن الثورة الفرنسية قد فشلت جزيئا بعد نجاحها ،وخصوصا بعد صعود التيار الراديكاي المتطرف بقيادة روسبيير الذي قام بمصادرة الثورة الفرنسية لصالح جهود دينية ثيولوجية ،فقد بقت باريس هي الجغرافية الفلسفية الموعودة،وبالمقابلة الضدية مع هذه الأطروحة ،نجد نوع مختلف من الفكر ،نوع جدير بأن يكون هو الحاوي للفلسفة والتحقق الفعلي لوجودها ،وهو بزوغ الجمهورية الامريكية ،التي نجحت بتأسيس (علم جديد للسياسة)،وفي خلق الجمهورية الاولى القابلة للتطبيق في العصور الحديثة كما تقول غيرترود هيملفارب ،والذي قال عنها هيغل(أميركا هي ،بالتالي ،ارض المستقبل،فها هنا ينكشف في العصور المقبلة عنصر مهم من عناصر تاريخ العالم)
وهذا هو الأقليم الثاني الذي تم ربطه ودمجه أنثروبلوجيا مع الاقليم الأول بجانبيه ،والذي سهل هذا الدمج اللاجئين الجدد ،بميراثهم الانجليزي ،المعروف بالتجريبي ،والذي يضرب بجذوره الى أيام بيكون ولوك وهوبز ،والميراث الأسكتلندي الذي ما فتئت بريطانيا العظمى تحاول أحتضانه وأحتوائه مع الأقليات الايرلندية،التي قدمت تنويرا بريطانيا صب مجراه في غلاسكو وليفربول وبيرمنغهام وكارديف وبريستول ايضا ،أي في الجانب الغربي من إمبراطورية بريطانيا العظمى،وهذا ما تأخر المؤرخون حتى يجدوه ،ويجدوا هذه الروابط الخفية ،ذلك أن المؤرخون للفكر في القرن العشرين ،وكرد فعل على الماركسين ،او الهيغليين الجدد بطريقة أو بأخرى ،وبالبداية التي كان عرابها نيتشه لوصف الأنحطاط الاوروبي ،أدركوا أن التاريخ لا يسير بقفزات أو وثبات ابستملوجية كما يقول باشلار،بل أن هنالك عمليات اشباع بطيء لحركة الفكر التراكمي(فرانكلين باومر)،بقدر ما هنالك عمليات أقصاء وتهميش وتحوير ،يجب على المؤرخين تفكيكها ،ونستطيع أن نقول أن الفكر التاريخي في القرن العشرين أنتقل من مرحلة ،كان يعتبر فيها التاريخ ميكانيكيا ،تجري أحداثه فجأة ،وبدون سابق اصرار او ترصد،الى مرحلها ،أخذ فيها المؤرخ ينظر للتاريخ ككيمياء،تتفاعل فيها عناصر مرئية وغير مرئية ،وطبقية وغير طبقية(غرامشي) ،تحدث ما تحدثه من تنقلات في الأفكار والأستنتاجات وباقي الامور التي تخص مؤرخ الافكار،مما يعني أن أمورا لم تكن تدخل في حسبان الماركسين ،أصبح ينظر اليها في القرن العشرين كفاعل قوي ومؤثر في حركة التاريخ،وعلى سبيل المثال ،واقعة زلزال لشبونة الكبير ،التي حدثت في يوم 1 نوفمبر 1755 ،والذي يعتبره الجيولوجين من أكثر الزلازل فتكا في التاريخ ،أدى فيما أدى اليه هذا الزلزال الرهيب، الى التسبب في مقتل ما يزيد على سبعمئة الف شخص يقطنون في هذه المنطقة،في الوقت التي كانت فيه لشبونة عاصمة تجارية مهمة وذات نفوذ جيو سياسي هائل،وتتكون من كاتدرائيات وبنايات قديمة ،بالأضافة الى الكنائس مثل كنيسة سانتا ماريا الشهيرة ،التي هي رمز ديني هائل ،بالنسبة الى سكان لشبونة ،فقد كانت تحدث فيهم وقعا خاصا،وكأنهم يحجون أو يقابلون الله،وكنتيجة حتمية لهذا الزلزال المدمر ،سحقت كل هذه الأثار القديمة ،التي ترجع بأصولها الى القرن الثاني عشر ،ودمرت أيضا ما يزيد على مئتان لوحة فنية لفنانين مشهورين ،وأحرق قصر الماركيز ،الذي يحتوي على تسعة عشر الف مخطوطة قديمة،هذه الكوارث التي أحدثها زلزال لشبونة ،أدت الى تغيير سياسة البرتغال الخارجية ،والكبح من جموحها نحو خطط استعمارية كانت في صدد المباشرة فيها،وفي ورقة بحث قدمها البروفسور تشارلز جيمس في جامعة بيركلي ،في القسم الوطني لهندسة الزلازل ،يقول (لقد كان التأثير الذي خلفه زلزال لشبونة قويا بما فيه الكفاية ،لا ليؤثر على البرتغال وحدها ،بل على أوروبا بكاملها)،وعن البلدان التي تأثرت في هذا الزلزال يضيف)لقد ساد شعور بالهزة في شمال افريقيا ،وكانت هنالك خسائر فادحة في الارواح في فاس ومكينز ،ووقع ضرر معتدل في الجزائر واسبانيا في جنوب غرب البلاد،وشوهد هزات قوية ايضا في فرنسا وسويسرا وشمال ايطاليا ،وكذلك سواحل البرتغال وصولا الى المغرب العربي ومراكش والرباط وأكادير-سانتا كروز خلال فترة الاحتلال البرتغالي-،وأنخفض منسوب المياه في اسبانيا،وتم تدمير عدد هائل من الكنائس والكاتدرائيات وكذلك مستشفى فرانسيسكو دي أس ).
والعجيب ان هذا الزلزال ألهم الشعراء والفنانين ،ليحاكوه،فخرج فنانون تخيلوا الزلزال في عقولهم ،ورسموه كما تخيلوه،ونلاحظ هنا هذا الأثر الهائل الذي تركه الزلزال على الفلاسفة والافكار بشكل عام،ولولا تطور علم الجيولوجيا الهندسية ،والتنقيب الأثاري والنقد الفني ،لما وصلنا الى أكتشاف كنه هذا التأثير الذي خلفه الزلزال ،والتي تغاضت عنه المدارس الطوباوية في القرن العشرين من ماركسية وغيرها.

وهذه الواقعة تذكرنا بالطاعون الأسود الذي عم أوروبا بكاملها في القرن الرابع عشر ،هذا القرن الذي يعتبر مرحلة انتقالية في الفكر الغربي،حيث تهاوت الكنيسة ودورها،وأنتقل المركز البابوي من روما الى افينيون عام 1307 ،وقد ادت حركة الصناعة والتجارة ايضا الى نشوء طبقة من الناس اقل ورعا دينيا من طبقة الزراع القديمة،تنزع في تفكيرها نزعة دنيوية غير دينية،وجراء هذا الطاعون الذي عم منطقة فلورنسا ،ظهرت الكتابات الادبية والفنية الجديدة مثل الديكامريون لجيوفاني بوكاشيو ،تصف حالة الذعر التي أصابت أهالي فلورنسا ،وقد تم في هذه المرحلة أختفاء صكوك الغفران ،وانتهت صلاحية الأكليروس والأقطاع الزراعي القديم .
-----------------------------------


الفلاسفة الأوائل
بدأت أول ما بدأت الفلسفة، في أيونيا ،في العاصمة مالطيا بالتحديد،هذا الإقليم الذي تبلغ مساحته مئة ميل ،والذي يغطي الجزء المركزي من الشاطئ الغربي لتركيا ،ومع أن هنالك بروزات حادة داخل البحر ،الا ان الارض غنية بالمراعي التي تنتشر فيها بساتين الفاكهة والزراعة ،وكما يقال عادة بان البيئة الصالحة تنتج أناس صالحين ،والبيئة الفاسدة تنتج أناس فاسدين ،فأنا نجد أن الظروف الموضوعية هيأت المناخ العام لظهور الأفكار النيرة والمتنوعة ،وكانت هذه الظروف بمثابة أب صالح أنجب خيرة الأبناء فيها ،فالشتاء كان هنالك رطبا وغزير الأمطار ،كما تساعد الانهار على تخفيف درجة الحرارة بالصيف،وكما أن لكل قاعد شواذ ،فأنه كانت هنالك مواسم تمر على ايونيا ،تكون فيها درجة الحرارة مرتفة جدا في بعض الاصقاع،وهذا ما ادى الى القذف بالحياة الأجتماعية الى الأماكن المكشوفة،وما ساعد على هذا القذف بالحياة الاجتماعية أيضا،وجود نوع من الوحدة الثقافية أن جاز هذا التعبير .تجمع بين أهالي ايونيا واليونان بشكل عام ،ومن الرموز الدالة على ذلك ،هو الأجتماعات السياسية التي تجري عادة في السوق وكذلك المسرح الذي خلد فيه الأغريق أعمالهم وروائعهم التي وصلت الينا ،وهنالك الاولمبياد الذي كان أول ظهور له عام 800 قبل الميلاد،هذا فضلا على أن أيونيا تتكون من تجمعات بشرية صغيرة نسبيا ،كل جماعة من هذه الجماعات كانت مكتفية بذاتها اقتصاديا ،وكذلك لعبت الحواجز الطبيعية من جبال ووديان وغيرها ،على الفصل بين هذه التجمعات البشرية الى دويلات صغيرة،وكان ركوب البحر كتجار أو مرتزقة وقراصنة ،هو الطريقة الأكثر شهرة لكسب العيش والمال،ومن الناحية الجغرافية تختلف مدن الأغريق بعضها عن بعض ،فأتيكا تعتبر أكثر بلاد اليونان جفافا ،حيث يبلغ منسوب المطر فيها 40 سم في العام ،لكن المناطق الجبلية تبلغ مساحة (63،7) من أراضيها ،التي سماها افلاطون بالهيكل العضمي (الذي تبرز ضلوعه على شكل نتؤات كبيرة من الحجر)،وكان الأعتماد الأكبر في الغذاء عند اليونان هو الحبوب،لكن انتاج الحبوب لا يكفي الا لربع سكان اليونان ،وهذا لعب دورا أساسيا في السياسة الخارجية لليونان وعلاقتها بدول الجوار ،حيث سعت الى مد جسور تجارية عن طريق بحر الايجه،للمتاجرة مع مدن الشرق الادنى ،وما ساعد على ذلك ايضا ،هو الموقع الجيو سياسي لأيونيا بشرق اليونان ،الذي يعتبر من أفضل المناطق التجارية لدى الشرقيين ،مما ادى الى اتصالهم بالأجناس المختلفة في البحر الاسود والبحر المتوسط ،وكذلك أكتسب هذا الموقع الجيوسياسي أهمية بالغة على الصعيدين الداخلي والخارجي لأيونيا:
فعلى الصعيد الخارجي كان، موقعا قويا وذو مركزية قوية في الكف عن التدخل الخارجي المباشر والغير المباشر ،وهذا الكف كان في يد ايونيا التي تسمح بالتدخل او لا تسمح،
وعلى الصعيد الداخلي ،ومع وجود حواجز طبيعية من جبال وغيرها ، أدت الى حدوث تعددية ثقافية وفكرية ،مما صعب ومنع من الخضوع لحكم شخص واحد ،فلا وجود لحكم شخص واحد ،ولا وجود لأرادة سياسية توجه الشعب معرفيا ،بفضل المؤسسات التي تنشئها على الصعيد السيسيولوجي ،مما ادى الى وجود قانون ضمني نستطيع أن نسميه ،قانونا مسكوتا عنه ،متفق عليه بين جميع الايونيين ،
ففي عام 650قبل الميلاد قام أهالي مدينة تشوس ،بطبع قانونهم على عامود صخري طويل ،ومن أهم العبارات التي دونت على هذا العامود هي عبارة (مجلس الشعب).

بدأت الفلسفة في مالطيا كما أسلفنا،وكان رأس الحكماء السبعة ،وهو طاليس ،مؤسس الفلسفة ،وأول من أطلق عليه لقب فيلسوف كما يخبرنا ارسطو في كتابه الميتافيزيقيا ،
،،ومن الصعوبة بمكان ،أيجاد حد فاصل ما بين المرحلة المسماة بالماقبل فلسفية ،وبين الفلسفة ،وظهورها كأفكار منفصلة عن الشعر او الأساطير أو الأدبيات الشعبية المحكية ،والمأخذ الذي يأخذه المؤرخون عادة بفصلهم ما بين المرحلتين ،هو الأنتقال من الخطاب الميثولوجي ،الذي يصل الى نزعة دوغمائية احيانا،الى الخطاب المتحرر من قيد الميثيو-اسطورة كما يسميه س.تايلور، ومن العيوب التي نستطيع ملاحظتها في هذا الفصل ،هو أن السؤال بطبيعته ،اولا ،لم يتغير في المرحلتين ،والذي تغير هو الجواب ،أو بلغة ادق ،التأويل الذي نزعوه على الوجود ،وهذا ما لاحظه المؤرخ الفرنسي امييل برهييه ،في سفره الضخم (تاريخ الفلسفة)،حيث يلاحظ أن الفلسفة الأولى(كما يسميها) ما هي إلا محض أسقاط النظام الاجتماعي على الوجود ،ومع هذا تبقى الفلسفة الأيونية عبارة عن تكهنات شبه أسطورية
(quas-methological) ،كما تقول موسوعة روتلدج الفلسفية ،ونستطيع أن نتفق في القول مع ما يقوله (مدخل كامبردج الى الفلسفة الأغريقية) ،بأنه يصعب التمييز ما بين فكر أسطوري وبين أسطورة فكرية،وبهذا نضيف ،أنه لم يكن هنالك قطيعة بل اتصال ،ولكن بحلة جديدة ،أخذت نظاما معرفيا خاصا بها.

هذه الكورنولوجيا البانورامية التي أستعرضناها ، جائزة لنا بهدف البحث في الأفكار عموما ،واردنا التنويه لها فقط لكي لا نقع في مغالطة تاريخية -----------3

هذه الاتصالات والتغيرات والقطيعات التي تحدثنا عنها ،ستتكرر بظروف موضوعية أخرى، ساعدت في نشوءها البيئة الأجتماعية –الاقتصادية في القرنين السادس عشر والسابع عشر ،فالدور الذي لعبته الكنيسة والأكليروس بشكل عام ،ساهم عبر تراكماته الثيولوجية ،في تراكم تيار مغاير تماما عنه ايضا،فتأسست الاخلاق دون الرجوع الى مركزية النص المقدس ،الذي اصبح ذا سلطة نصية بعد أن تنصر الامبراطور قسطنطين عام 325 م، وأمر بتنصير الامبراطورية الرومانية ،عقب وضع قانون ايمان في مجمع نيقيا الاول،مما أفضى في القرنين السادس عشر والسابع عشر ،الى الأتجاه صوب نظام معرفي جديد ،يستمد مركزيته من العقل،حيث سيتسنى لفلاسفة من أمثال باروخ أسبينوزا تأسيس اخلاق علمية منفصلة كليا عن أي سلطة نصية أو دينية ،وستتضافر جهود المدرسة الأنكليزية التي تستقي منابعها من بيكون ،الى تأسيس علم للسياسة مغاير تماما لما كانته الكنيسة فيما قبل،وكذلك سيبحث هؤلاء عن الدوافع والارادة والادراك وغيرها من الامور النفسية ،حيث سيشكلون تيارات سيكلوجية متنوعة ومتضاربة ،وكلها بعيدة عن التفسيرات الدينية المأثورة ،ومن ابرز هولاء الانجليز جون لوك وتوماس هوبز وديفيد هيوم وتوماس ريد .

لا يخفى على أحد من الدارسين للتراث اليوناني ايضا،طبيعة المخيال السائد في تلك الفترة،الذي كان بموجبه يتعاطى الأيونين مع الاخر بوصفه على حق فيما يقول،وكأن المثل الفرنسي الذي قاله أحد كبار الفلاسفة لشخص يخالفه بالرأي:(اني أخالفك بالرأي تماما ،ولكني مستعد للتضحية والموت في سبيل أن تعبر عن رأيك)
كان متوجا في تلك الفترة،فلم يكن المجتمع الأيوني في هاتك الفترة يمارس الواحدية في الرأي ،كما حدث أتناء القرون الوسطى نتيجة أفول العقلانية وسيطرة الكنيسة،
بل العكس هو الصحيح ،أذ أن الجدل والمحاورة والتعاطي مع الأخر الغريب بأسلوب عقلي ،هو الذي شكل المخيال الجمعي لتلك الحقبة الزمنية،وهذا بسبب التجارة التي مارسوها مع أصقاع وأمصار أخرى ،وبسبب طبيعة المجتمع الأيوني نفسه من الناحية الأنثروبلوجية،حيث أنها تشكلت نتيجة هجرة السكان من الشرق الادنى بسبب الفيضانات ،وهجرة السكان من الغرب نتيجة الحروب المهلكة،فكان هنالك نوع من التعددية الثقافية،تستوجب على السكان الجدد ،الاطلاع على الثقافات الأخرى ،لكي يتسنى لهم معرفة جيرانهم وارباب العمل الذين يعملون معهم ،مما أدى في النهاية الى تشكيل وعي ثقافي متعدد المنابع والأصول .
وهميروس وهزيود من الأمثلة الصارخة التي تعبر عن هذا التعدد،فقد كان كل منهم يلقي بأشعاره أمام الملأ ،دون أن يعارضه أحد ،أو يمارسوا عليه أي سلطة دينية أو أخلاقية.
ونستطيع أن نرى طبيعة السؤال الذي طروحه في تلك الفترة،فقد مالوا بالأحرى الى التساؤل عن سر قدومنا الى هذا العالم ،وما هو الهوليوي الذي جبلت منه الأشياء ،وهو سؤال كوزمولوجي بالأصل،ومنهم من اعتبر هذا السؤال هو سؤال أنطيلوجي بألاصل ،ونحن نرجح الرأي الأول ،بسبب التشابه الكبير بين الطبيعة السيسولوجية للأيونين وبين الأسئلة التي طرحوها ،حيث كان أكثرهم بحارة وتجار ،يجتمعون في السوق ،فكانوا يرون العواصف مثلا ،والزوابع والأمطار وسط البحار وأثناء سفرهم للتجارة ،فقاموا بأسقاط الطبيعة الأجتماعية على الوجود نفسه ،ولن نغالي مع ما ذهب اليه برهييه ،بأن الفلسفة في ذلك الوقت لم تكن أكثر (من افكار شعبية،وتصورات جماعية ،عثروا عليها ،هذه المفاهيم هي التي تقوم لهم ،فيما يبدو ،مقام الترسيمات أو المقولات لتصور الطبيعة الخارجية) (وربما لم تكن الفلسفة في النهاية الا ضربا من استعارة أجتماعية رحبة) ،وهنا نرى برهييه مثلا،أنه عندما جعل من الفلسفة الأيونية مجرد اسقاط النظام الأجتماعي على الطبيعة ،وبصورة مطلقة ،قام هو الأخر (برهييه ) بالسكوت عن شيء أخر ،وهو من طبيعة فيلولوجية أن جاز هذا التعبير ،مرده الى أسقاط ما وصلت اليه انثروبلوجيته النقدية على نصوص أعتبرها منذ الوهلة الأولى بدائية،ومع هذا نستطيع أن نلاحظ مسألة الأصل الذي بحث عنه برهييه ،في الشذرات التي وصلت الينا ،في محاورات افلاطون بالتحديد ،عندما قال في محاورة كراتيليوس بأن كلمة فيلسوفيا نفسها ،كلمة بربرية ،وهذا يعني ان الأيونين كانوا نقلة فلسفة ،لا مؤسسي فلسفة كما ادعى ارسطو في كتابه الميتافيزيقيا بأن طاليس هو أول الفلاسفة،
وهذه أطروحة عرضها ايضا كما يقول أرمسترنغ، ديوجينيوس ،في كتابه طبيعة الفلاسفة ، عندما لاحظ التكهنات الشبه اسطورية التي قالت عنها موسوعة روتلدج ايضا ،لدى البرابرة والمجنمعات البدائية.

قلنا أن الأسئلة التي طرحها الفلاسفة الأوائل ،هي أسئلة تتعلق بطبيعة مجيئنا الى هذا العالم ،ولما نحن على ما نحن عليه ،ومما تتكون المادة الأولى ،أي انها اسئلة تبحث في النشكونيات ،ولا تخلوا كذلك من بعد أستاطيقي ومسحة أثيكية واضحة ،وتكتنفها في العادة غموض واضح ،نتيجة اللغة ،وهذا ما تقوم به الدراسات الفيلولوجية والسيميوطيقية والألسنية ،لتحليل النصوص وفك شيفراتها ،ويزيد من صعوبة الأمر هو قلة النصوص التي وصلتنا ،هذا فضلا على أن اقرب عهد لشرح هذه النصوص ،لا يرقى الى أبعد من أرسطو على وجه التحديد ،وهنا تكمن صعوبة أخرى ،وهي أن ارسطو درس الفلاسفة الأوائل وتأولهم ،بمذهبه هو ،وبمنهجيته هو،أي أنه كان يبحث مسبقا عن سؤال أرسطي في كتباتهم ،فضلا على أن طاليس لم يكتب شيئا ،وانكسمندر وانكسيمانس دونوا كتابا ،وصلت لنا بعض الشذرات منه ،وكما أن ارسطو نفسه ،تم أنتاجه وأعاده انتاجه مئات المرات في تاريخ اوروبا الفلسفي ،فجهازه المفاهيمي الذي وضعه ،نستطيع أن نشبه بالعمليات الكيميائية ،التي تفاعلت معا عبر تاريخها وتداخلت ،بحيث يصعب التكهن بأيهم أرسطوي الأصل وأيهم مؤرسط ،هذا ناهيك عن عمليات التعرية والحت التي قامت بها الكنيسة لقراءة ارسطو ومذهبه ،والصعوبة الأخرى التي تعترض الباحث في التراث اليوناني ،هي اننا أمام نص ،وليس أمام ارسطو أو طاليس أو غيره،ولهذا لا يستطيع أن يحاورنا ،بل نحن بالأحرى نستنطقه ،فيبقى صامتا ،كمن يخاطب الحائط ،وبقدر ما ارسطو غائب عنا ،نحن غائبون عنه ايضا ،أو على حسب تعبير رولاند بارط ،هنالك نوع من (الغياب المزدوج).
تبقى مسألة تأويل النصوص القديمة معلقة في الهواء كما يقول الفيلولوجي ادوارد تايلور،لأننا نبحث داخل النصوص عن معنى لغة ،بواسطة معنى لغة أخرى ،أو على حد تعبير أخر (أننا نبحث عن معنى بلغة ذات معنى ،فيصبح المعنى هو أداة ووسيلة في نفس الوقت ،بقدر ما هو أيضا ،أنتاج وأثر ).

قلنا أن طاليس هو رأس الحكماء السبعة ،وهم (صولون،برياندروس،كيلنوبولس ،خيلون،بباس،بتاكوسس)،وهم جماعة مبجلة أخذت على عاتقها البحث عن الحقيقة ،فبحثوا في امور متعددة ،كانت تهم جميع أهالي أيونيا في ذلك الوقت ،مثل بحثهم في شؤون الحكم وأدارة الدولة ،والجمهور ،والسياسة الداخلية والخارجية لأيونيا ،وغيرها من الأمور السياسية المهمة ،ويرجع المؤرخون عادة حياة طاليس الى عام 585 قبل الميلاد ،والفلسفة عنده كانت خطاب على حد تعبير أندريه كونت ،لأنه لم يكتب شيئا،وكان طاليس منشغلا بالدرجة الاولى بالبحث في خبرات العالم الغير يوناني ،فأطلع على علم الفلك البابلي ،ووسائل الملاحة الفينيقية ،ويقال انه قام بعمل ملاحظات للشمس لتحديد الفترة بين انقلاب الشمس الصيفي او الشتوي ،والاعتدال الربيعي او الخريفي ،وقدم كذلك طريقة رياضية لقياس ارتفاع الهرم ،عن طريق قياس ظله ومقارنته من ثم ،بظل العصا،وكذلك قياس مسافة السفن في عرض البحر،ومن اهم الاستنتاجات المهمة التي وصلت عن طاليس ،هي تنبؤه في حدوث كسوف للشمس،وبالفعل قد حدث كسوف لللشمس ،في يوم لن تنساه البشرية ،ذلك أنه حدث في يوم كان الليديين والميديين ،على وشك الحرب ،بتاريخ 28 مايو 585 قبل الميلاد ،ويعتبر ستيفن كورنر هذا التاريخ ،هو بداية العلم والفلسفة الطبيعية.

كان طاليس يضع ثقته بوحدة الطبيعة ،والنظام الكوني بشكل عام ،وهذا راجع الى كثرة تأمله في الكون والفضاء أثناء سفراته الكثيرة بواسطة السفن،ولابد أنه شعر أن هنالك عقل مدبر (رغم أن هذا العقل المدبر عنده لا يخلو من ميثوليوات ايضا) يحكم وينظم الاجرام السماوية وحركة البحار والأنهار وغيرها من الامور التي تأملها بعناية،ليتسنى بعدها طاليس .الى الوصول الى نتيجة مفادها : أن أصل الأشياء جميعها هو الماء،فقد فكر في الماء كمصدر رئيسي للحياة وضروري لأستمرارها،فاخذ يبحث في هذا الاصل اكثر فأكثر ،وتعجب بعدها أيما عجب ،في كيفية تحول الماء الى ثلج ومن ثم الى بخار ،واصابه العجب ايضا نتيجة ركوبه البحر كثيرا،كيف ان الماء يحيط بالأرض كلها ،وكذلك تعجب كيف ان الماء ينزل من السماء ،وكانت النتيجة التى وصل اليها ،جراء تأملاته في الماء وأندهاشه منه،هي (ان الماء كل شيء)
حاول طاليس الابتعاد قدر الامكان عن التصورات الخرافية للكون،وسلك طريقا حاول فيه ان يفسر الوجود والكون على ما تراه عيناه ،لا على ما تسمعه اذناه من هوميرويس وغيرهم من الرسل،رغم ان تفسيراته كلها لا تخلو من بدائية واضحة ايضا ،الا انه سلك طريقا يمكن أن نسميه تأويل فرديا للوجود ،بعكس الجماعات الايونية السابقة له ،التي كانت تعبر عن وجودها داخل النظام الكوني عبر ما يصلها من تاويل جماعي له،بحيث أن اتفاق الأكثرية يعني الصحة واليقين فيما لو اتفقوا،

ثاني الفلاسفة الذين يهمنا دراستهم هنا وفي المرحلة الايونية ،هو أنكسمندر ،الذي ولد عام 610 قبل الميلاد،والذي كان معاصرا لطاليس ،ويقال انه بلغ من العمر 64 عما ،ومثلما حاول طاليس ان يفسر الكون والمادة الاولى ،كذلك فعل نظيره أنكسمندر،فقد كان يعتقد ان الارض تشبه عمود ضخم من الحجر أو الصخر ،وقال عن المادة الاولى بشيء يصعب تأويله،وهو (apeiron ) ،الذي يمكن ان يكون اللامحدود أو اللا محدد،او ربما اللامتناهي ،ذلك أنه لم يكن هنالك بعد اشارة انفنيتي ،او اللامتناهي العددي الذي قال به فيثاغورس،ولا اعتقد أنه كان يستخدم هذه الرموز العديدة او غيرها ،الذي أستعملها الفيثاغوريون والأورفيون في عقائدهم الدينية وطقوسهم السرية التطهيرية،الا أن اللامحدد عند انكسمندر هو شيء لا بداية له ولا نهاية ،فهو ازلي ابدي ،والعالم هو حركة لولبية داخل الابيرون ،يتحرك العالم داخله بشكل لولبي ،وهنالك من اعتقد ان اكسمندر تأثر بالدوامات والعواصف التي كانت تحدث كثيرا في ايونيا ،وخصوصا ان انكسمندر كان بحارا ،مثله مثل طاليس ،يخرج للسفر الى مناطق اخرى خارج اليونان بواسطة السفن ،ولكثرة ما شاهد عواصف وزوابع ودوامات ،قام بتبني نظرية أكبر ،هي دوامة الكون ،ومن هنا يتضح الطابع السيسولوجي للفلسفة الاولى التي تحدثنا عنه،حيث كان هنالك خلط واضح عند الفلاسفة الاوائل ،بين الطابعي الجماعي للبشر والطابع الكوني للوجود.ولا نستطيع معرفة سبب هذا الخلط ،الا اذا عرفنا اين وقع الفصل ،لكن الفصل ايضا يبدو عملية صعبة أذا رمنا البحث عنه ،لانه يتراءة لنا انه استمر حتى بعد افلاطون وارسطو ،بل وقد نجد نوعا من هكذا خلط بين الطابع الجماعي والطابع الكوني عند افلوطين حتى ،في نظرية الفيض التي خرج بها .
لقد فسر انكسمندر عن طريق نظريته في اللامحدود ،تعاقب الفصول ايضا ،حركة الايام وعلاقتها بالكون الاكبر.
واذا كان انكسمندر قد بلغ من العمر 64 عاما ،فتكون وفاته اذا في عام 546 قبل الميلاد ،وهو تاريخ اختطاف الفرس ل(يدينا سارديس ) ،من ثم ذهابهم غربا لأخضاع ايونيا وثكناتها ،وهذا ما يفسر ايضا العداوة المستشرية من قبل الايونين واليونانين بشكل عام للفرس التي استمرت حتى تواريخ لاحقة .

ومن الفلاسفة الايونين الذين بحثوا عن سر الكون العظيم ايضا ،هو انكسيمانس ،وهو خليفة انكسمندر وصديقة المقرب ،ولا يوجد شيء في ايدينا من كتاباته التي كتبها ،الا بعض الشذرات والقصاصات التي حفضها لنا التاريخ ،فضلا عن ان حياته وفلسفته وتعاليمه ،وصلت لنا في تاريخ لا يرقى الى ابعد من ارسطو كما تقول دائرة المعارف البريطانيا،ويخبرنا ديوجينس اللايرتي في كتابه طبيعة الفلاسفة ،على ان اسلوب انكمانس الكتابي سهل وبسيط حيث يقول(ان اسلوبه كان مباشرا وواضحا )،واذا صح هذا الكلام الذي يرويه ديوجينس ،فيكون انكسمنس قد احدث قطيعة على مستوى اللغة مع صديقه انكسمندر ،ذو الاسلوب الشعري الغامض ،والذي يصعب تأويله وقرائته دون استخدام ادوات معقدة طورتها الدراسات السيميوطيقيا حديثا.

لقد كان اختيار انكسمانس للهواء كنعصر او مادة اولية جاء منها العالم الى الوجود ،اسهل مما اختاره نظيراه طاليس وانكسمندر من عناصر ومواد اولية،حيث سهل عملية وصف هذا العنصر ،أي الهواء،فكان يقول (بأن الهواء ينتقل الى النار عن طريق الخلخلة ) وكذلك (ينتقل الى الماء عن طريق التكثف) ،والهواء عند انكسمنس له شكل ثابت ومتماسك ،وهو غير مرئي ،ومع هذا يستطيع ان ينتقل من اللامرئي الى المرئي ،أي الى التجلي والكشف ،بعد الحجب والستر –على حد تعبير هيدجر- عن طريق الخلخلة والتكثف .

لقد كان الفلاسفة الايونين ،يميلون بالأحرى الى وصف ما هو موصوف ،بعكس من سبقهم ،والذين يلجئون الى الماورائيات الجهنمية في تفسيراتهم،ومن واقعهم الاجتماعي استطاعوا أيضا ،إن يخرجوا بنظريات بعيدة كل البعد عن الاساطير او الحكايات المروية التي كانت سائدة في ذلك الوقت ،ورغم ان هنالك صراع في الفكر المعاصر ،ما بين المدرسة التاريخية والمدرسة الأنثروبلوجية،الاولى التي ترى فيهم فلاسفة اسسوا نظرياتهم الخاصة ،وانشئوا تعاليم تكررت حتى عهود طويلة قد تصل الى ما بعد ارسطو،والثانية التي ترى فيهم مجرد جماعة ثقافية ،يروون القصص ،ويمارسون عاداتهم ،التي من ضمنها التامل في الكون ،فهذا في الاخر هو واقعهم الاجتماعي ،وبيئتهم التي فرضت عليهم قول ما قالوه من أمور ،وكلا الاتجاهين ينظر من وجهة نظر معينة قد تصح او تخطئ ،ومما لا شك فيه ان الايونين قد عكسوا تقاليد كثيرة كان يمارسها اجدادهم من الناحية السيسولوجية،وبهذا يكون وقاعهم الاجتماعي تحرك بأتجاه مغاير كليا لما كانه اسلافهم ،ويمكن القول ان الأدبيات الغرائبية التي وصلت لنا عنهم والتي كتبوها بانفسهم ،هي في نفس الوقت نصوص بدائية،قد تكون على حق المدارس الانثروبلوجية التي درستهم من هذا المنظور ايضا.

ونلاحظ أن الخطاب الفلسفي لم تتضح ملامحه بعد في الفلسفة الأيونية،لكنه كان بمثابة الفعل المؤسس للفلسفة نفسها،وسيبقى الأمر على ما هو عليه ،إلى حين ظهور نظرية الصيرورة ،ونقيضها ،نظرية الكينونة ،النظريتان اللتان ستغزوان الفكر الأوروبي بكامله حتى القرن العشرين ،حيث سيمر في هذا التاريخ الطويل أوقات تكون مقولة الكينونة هي المسيطرة في الوقت التي تكون فيه نظرية الصيرورة ترقد في سباتها ،ريثما تطور نفسها،وعندها سيأخذ خطاب الصيرورة بالبزوغ ،في الوقت الذي يكون فيه خطاب الكينونة أيضا أيلا للنسيان،والمثال الصارخ على ذلك ،هو ان خطاب الكينونة كان متوجا لفترة طويلة في الفكر الغربي دام حتى القرن الثامن عشر والتاسع عشر ،حيث تم بعدها ،وفي هذه الفترة ،ان أكتسب خطاب الصيرورة قيمته العليا على يد كل من دارون وسبنسر وهيغل وماركس ،وكذلك عند الدراسات اللغوية للفيلولوجين الألمان ،والمدرسة التاريخية الألمانية،وهو نفسه عصر الوعي التاريخي لأوروبا التي استافقت على نفسها ورمت بعلياء نظرتها الى التاريخ الاوروبي ككل ، وكرد فعل على هذه النظرة التطورية للوجود والتاريخ واللغة والطبيعة والانسان حتى ،التي دامت حتى ستينيات القرن العشرين ،خرجت المدرسة البنيوية على أثر ذلك ،وأزدهرت كأيدلوجيا في الستينيات ،لتتجاوز مراحل عديدة في تاريخ أوروبا الفكري،منها الموضوعية المفرطة في الماركسية والوضعية المنطقية،والذاتية المفرطة ايضا في الوجودية ،عند سارتر وسيمون دي بفوار وموريس مورلو بونتي وغيرهم ،فقدمت نموذجا يتم تجاوز اشكالية (الذات-الموضوع )التي اسسها افلاطون ،ورسخها ديكارت في الفلسفة الغربية،
جذور كل هذا الخطاب ترجع باصولها الى الفيلسوفان اليونانيان هيراقليطيس وبارمنيدس،هذان هما النقيضان الكبيران كما يسميهما ارمسترونغ ،اللذان يستهلا المرحلة المقبل سقراطية في الفلسفة اليونانية،
ولد هيراقليطس في القرن الخامس قبل الميلاد في مدينة افسوس ،أحدى حواضر ايونيا ،تشكلت خلفيته الثقافية والفكرية متأثرا بنشكونيات الملطيين ،وكان عنده أزدراء صريح لكل الأراء الشعبية والفلاسفة والمثقفين في ذلك الوقت ،فقد كان ضد الفيثاغورية والاوريفية والتنجيم وغيرها من الاساطير السائدة في تلك الفترة ،وقد وصلت لنا من اعماله 130 شذرة فقط ،وهي عبارة عن شذرات واقوال رهيفة ودقيقة ذات تعبير غريب يصعب تأويلها ايضا،وأهم مبدأ من المبادىء التي يمكن ان نستخلصها من هذه الشذرات ،كما يجمع الدارسين لفلسفته ،هو (مبدأ التغيير)،
حيث يقول فيها (لن تستطيع ان تخطو مرتين في النهر نفسه )،هذه هي الرؤيا التي نظر من خلالها هيراقليطس الى الوجود مباشرة ،وقد حاول هيراقليطي دوغمائي اخر بعده ،وهو كراتيليوس ،الذي سيكون له دور هام في محاورة افلاطون عن فلسفة اللغة ،والمسماة بأسمه ايضا (محاورة كراتيليوس )،ان يأخذ مقولة التغيير الذي وضعها استاذه هيراقليطيس الى ابعد محطة يمكن وصولها ،عندما قال بتطرف انك (لا يمكن ان تنزل في النهر الواحدة مرة واحدة ايضا).

الوجود عند هيراقليطس في حالة تغير مستمر ،في حالة سيلان دائم،ولا وجود لشيء ثابت غير هذا التغيير ،فالثابت الوحيد في الوجود هو التغيير،ما يحيلنا ايضا الى سؤال الحقيقة ،فالحقيقة متغيرة ايضا ،وقابلة للتغير مثلها مثل الوجود ،ونعجب كيف أن هيراقليطيس بهذه المقدمات التي وضعها لم يصل الى النسبية في الحقيقة والوجود ،فما دام كل شيء متغير ،فهذا يعني إن الحقيقة تعتمد على رؤية الشخص وطبيعة الموضوع وزمنه ،وهذه مواضع تختلف من شخص الى اخر ،مما يفضي الى النسبية التي لم يصل اليها هيراقليطس ،لكن الجدير بالذكر ايضا أنه كان أول من وضع اسس التفكير بالصيرورة والتغيير ،وحاول كراتيلوس بعدها أن يطبق ما وصل اليه هيراقليطس على النحو وقال بشيء من التطرف (ان المعاني والكلمات تتغير أثناء الحديث ).

ولا يقتصر مذهب هيراقليطس الفلسفي على مبدأ التغيير وحده فقط ،بل ان الاشياء دائما في صراع ،حيث يقول (الحرب هو ابو الاشياء جميعا)فصراع الاضداد من خير وشر وحار وبارد وثابت ومتغير هو مبدأ الوجود وشرط الحياة ،وهنا نلاحظ تأثر هيراقليطس بالثنائيات التي كانت سائدة في عصره ،وخصوصا عند الشعراء ورواة الأساطير ،ومن الأمثلة على هذه الثنائيات هي (الله والنسان )(العادل والظالم)(الخير والشر)(الذكر والانثى) ،وغيرها من الثنائيات السائدة في المخيال الأغريقي..

والتناغم أو التناسق الوحيد المقبول في الهيراقليطية ،هو تناسق وتناغم الاضداد،والمبدأ الحاكم الذي ينظم صراع الأضداد هذا وينسقه هو اللوغوس (logos) ،وهي كلمة يونانية فضفاضة وذات التباس دلالي كبير ،حيث تحيل الى اشياء كثيرة ومتضاربة ،ومن معانيها كما جاء في معجم لالاند الفلسفي ومعجم سكوت (العلاقة ،السببية ،التغيير ،اللغة ،العقل ،الخطاب،التعبير،...الخ) ،كذلك تنوعت دلالة كلمة لوغوس عند جل الفلاسفة الذين استخدمونها،حتى ليكاد لا نرى أثنان أتفقا على معنى أو دلالة واحدة،فعند البحث في الاشتغال الهيرمنوطيقي عند بول ريكور مثلا ،نجده اعطى كلمة لوغوس معنى الكلام او الخطاب في مقابل اللسان او اللغة ،في اثناء قرائته السيميائية لمحاورة كراتيليوس لافلاطون ،وأول من صاغ هذه الكلمة هو هيراقليطس ،التي تعني فيما تعني عنده (التناسب الكلي ) بين الاضداد ،ولها علاقة مع الله الذي يتماهى مع النار (ان الصاعقة توجه الاشياء جميعا)،والنار عند هيراقليطس هي فعل ترنستندتالي ،لا تختلط مع النار الهيلوي على حد تعبير ارسطو.

بارمنيدس

وفي مناخ فكري اخر ،ومنطلقات ابستملوجيا اخرى ،نجد بارمنيدس ،الذي صاغ مبدأ الكينونة والثبات ،وهو مواطن من ايليا ،في الأصقاع الجنوبية من ايطاليا،الذي كان ينافح من أجل اثبات (الثابت ) ،فالحقيقة ثابتة لا يمكن ان تتغير ابدا ،لا في الزمان ولا في المكان ،وكل ثابت هو حقيقي ،وكل حقيقي هو ثابت ،والشيء المتغير لا يمكن ان يكون ابدا حقيقي ،والوجود هو ثابت ،والنتيجة التي تفضي لها هذه المقدمات ،ان المتغير لا ينتمي للوجود :
كل ما هو ثابت حقيقي،كل ما هو متغير غير حقيقي ---------مقدمة 1
الوجود ثابت ،واللاوجود متغير ------ مقدمة 2
الوجود حقيقي ،واللاوجود غير حقيقي--------نتيجة

ويضيف هيراقليطس أيضا (أن الوجود هو ان تكون،العدم هو ان لا تكون)،وكما كان هنالك أتباع متطرفين لهيراقليطس ،لا يخلو اتباع بارمنيدس من متطرفين ايضا ،مثل زينون ،مؤسس الرواقية ،التي ذهبت الى انه لا وجود لحركة اساسا،ولعبت الرواقية بعدها ،بالأضافة الى الكلبية والأفلاطونية المبكرة ،دورا هاما في الفترة الأولى من ظهور المسيحية .

لقد أفترض الفلاسفة الأوائل أن العدم لا يصدر عنه الا العدم ،،وان العالم مستمد من مبدا واحد باقي أبدا،ويقول س.تايلور :ان السعي العقلي والسلوك البشري هو وراء ظهور هذه الروائع في الفترة الاغريقية .
ولا بد من التنويه أنه وبالرغم من الغرائبية التي تحف جل النصوص التي وصلت لنا من تلك الفترة،بما تحويه من أساطير وعادات وتقاليد بدائية ،الا أن الاغريق في تلك الفترة ،أي قبل مجيء سقراط ،كانوا يملكون حسا تاريخيا ،على حد تعبير نيتشه ،ضل مستمرا حتى مجيء سقراط ،الذي افسد الذوق الأغريقي بكامله ،فكلمة (history) المعروفة حاليا ،مأخوذة من اللفظة اليونانية (istoria) ،التي كانت متداولة منذ القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد ،والتي كانت تحيل الى (البحث عن الاشياء الجديرة بالمعرفة) ،بعكس معناها التاريخي المتداول اليوم ،فقد كانت الكلمة نفسها تعاني من رخاوة مفهومية أن جاز هذا التعبير،الى ان جاء هيرودوت وثيوكيديس ،لتدلا عندهم على علم واحد ،وبهذا أنحصرت دلالة (istoria) ،واستخدمها ارسطو أيضا في كتاب سماه (تاريخ الحيوان ) ،مما يعني أنحصار دلالتها اكثر ،وبهذا نكتشف من هذه الوقاعة اللغوية ،أن الاغريق غرقوا في علمية العلم ،وطاردوا تفاصيل التفاصيل ،ما يعني في النهاية أنهم كانوا أذكياء ومبتكرين ،وستكتسب الكلمة نفسها تحويرات وتحويلات عبر تاريخها الطويل ،وخصوصا التحريف الذي اصابها في عصر الانوار في اوروبا ،التي أصبحت تحيل لا الى التاريخ ،بل بالأحرى الى الوعي التاريخي الاوروبي ،الذي يعني المركزية الأوروبية للتاريخ في النهاية ،وكذلك ستصادر عليها الفلسفة اجيالا طويلة ،حيث يقول بندتو كروتشه (كل من يحمل لقب مؤرخ فهو فيلسوف)،ولقد كان هنالك مؤرخين كبار في العالم الإغريقي ،فهوميروس مثلا –رسول الاهة الى البشر – الذي وصف في الياذة احداث الحرب الطروادية التي نشبت حول مدينة اليون سنة 1200-1100 قبل الميلاد ،وكما يقول توينبي (بدأ الوعي التاريخي عندما بدأت اشعار هوميروس ) ،هذا فضلا عن انه حاول أنسنة التاريخ الاسطوري لليونان ،واعتبره افلاطون (شاعر موهبة قدسية تأتيه من لدن ألهة ) ،وهنالك ايضا هكتايوس الملطي ،الذي يعتبروه اول مؤرخ في التاريخ ،546 قبل الميلاد ،وهيرودوت 484 -426 قبل الميلاد ،يقول سارتون عن هيرودوت (أنه ليس أول مصنف في التاريخ فحسب ،بل هو ايضا أول مصنف في الجغرافيا البشرية)،ومثلما حاول هوميروس أنسنة التاريخ الاسطوري للشعوب اليونانية،حاول هيرودوت ايضا ،أنسنة اساطير هوميروس وهزيود ،ولا يخفى علينا التأثر الكبير الذي تركه الايونين والملطيين على هيرودوت ،ومع هذا اعتبره البعض (أبا لعلم خصائص الشعوب أو الاثنولوجيا )،وصرف ثيوكيديس جهوده ايضا للتأريخ للحرب البلوبونيزية ،التي وقعت بين أثينا واسبارطة ،ولا نستغرب ايضا من أكزينوفون (xenophon) الذي حاول ان يؤرخ للحياة الاجتماعية والفكرية لليونان ،ومع هذا تبقى جهودهم مليئة بالأساطير رغم ما كابدوه من محاولات لأنسنة التاريخ والهبوط به من عالم الألهة العلوي الى الارض كما يقول كورنفورد
ومع ان ارسطو اهتم بالتاريخ وكتب عنه ،الا أنه في النهاية قد حط من قيمته ،حيث يقول(ان الشعر اقرب الى العلم منه)
وكان شغف الفلاسفة الأوائل بالحقيقة ،قد قادهم إلى صياغة الحقيقة من منظور أنها ثابتة لا تتغير ،ومتعالية على الزمان والمكان ك(المثل )عند أفلاطون ،واعتمدوا في تاريخهم على مبدأ العلية ،والتغيير أو الثبات ،ومنهم من اعتمد على علل مادية في تفسير حركة التاريخ ،وعكسهم من اعتمد على علل روحانية نورانية ،ومن الأمثلة على الفلاسفة الذين اتكئوا على علل مادية مثل (الماء ،الهواء،النار،التراب) أو (العناصر الأربعة) ،الطبيعيون الأوائل مثل طاليس وانكسمندر وانكسيمنس وهيراقليطس أيضا ،والطبيعيون المتأخرون مثل أنكساغوراس و أنباذقيلس ،والمدرسة الذرية عند كل من لوقيبوس وديمقريطس ،وعلى الجانب الأخر من الارتكاز على العلل الروحية والمعنوية مثل(الحب ،اللوغوس) يقف هزيود وبارمنيدس وفيثاغورس (العدد) وأرسطو الذي بحث عن العلة الفاعلة أو الغائية ،وكذلك أبقراط الذي كان يحاول البحث عن علل الأمراض ،وبلغت قمة مبدأ لعلية في التاريخ على يد بوليبيوس ،في القرن الثاني قبل الميلاد ،الذي بشر بمقولة هيغل (العقل هو سيد العالم) ،و(أن التاريخ هو تطور العقل)،والذي ذكره هيغل في كتابه (محاضرات في تاريخ الفلسفة)وعبر كذلك عن بعض الآراء التي تتبناها حديثا مدرسة الحوليات الفرنسية ،مثل العلل البعيدة للأحداث التاريخية ،ولقد كان متأثرا بميتافيزيقا أرسطو .

لقد كان المخيال اليوناني القديم يهتم بسير الخليقة ،فهزيود مثلا صاحب ولادة الآلهة وكتاب الأعمال والأيام ،يتحدث في كتابيه عن ولادة البشر ،والجنس الذهبي الذي كانه الجنس الأول من بني البشر يوم مولد الخليقة ،وكذلك يتحدث عن الجنس الفضي والبرونزي والحديدي ،الذي هو أسوأهم ،نجد أن التراتب الهرمي لجنس بني البشر يحتوي على معيار ،وهو معيار قياس الجديد الحالي ،بالنسبة الى القديم البالي،ولعل هنالك شبه بين هذا التقسيم لأطوار الأنسانية على الارض وبين التقسيم الذي أقامه اوغست كونت ايضا في القرن الثامن عشر ---------------------------4
والتقسيم الذي أقامه بليخانوف ايضا ،ولكنه تقسيم لتاريخ التاريخ ،ينطلق من أسس ماركسية لينينة ،

هذا فضلا عن أن أعمال هزيود تحتوي على مسحة أخلاقية واضحة ،وهذا شيء طبيعي ،حيث كان الإغريق بشكل عام يولون الاخلاق والعدالة والخير عناية كبيرة .يقول هزيود في الأعمال والأيام (العدالة امرأة جميلة أنجبها زيوس ،وهي تحظى بتكريم سائر الالهة )،ويتكرر خطاب العدالة في الأساطير اليونانية بإسهاب وكثرة ايضا ،حيث هنالك دائما ،صراع مرير بين الالهة ،ويكون الفوز عادة لصالح قوى العدالة والخير والنظام ،ومع أن المرحلة الايونية عملت قطيعة معرفية مع سائر الافكار السابقة لها ،الا أن خطابات العدالة والخير ضلت تحتل المرتبة الاولى في تلك الخطابات .

انتقلت الفلسفة بعدها ،من المرحلة الكوزمولجية عند الايونين ،إلى المرحلة الميتافيزيقيا ،التي هي مرحلة تخطي الموجودات والغوص في عالم التجريدات ،ومن الأمثلة على هذا التحول في المشهد الفلسفي ،هو مثلا طبيعة العدد عند فيثاغورس ،والصيرورة عند هيراقليطس والكينونة عند بارمنيدس والنظام الكوني عند أنكساغوراس ،وبنية الكون الذرية عند ديمقريطس ،وتبع هذا التحول للمشهد الفلسفي ،تحول أخر ايضا ،قد يكون تحولا انقلابيا،أي الانتقال من الضد الى الضد،فبعد أن كانت المرحلة الاولى من الفلسفة تمارس بحثها عن الحقيقة في النشكونيات ،أي في العالم الخارجي ،الذي تسميه الفيلسوفة اين راند ،العالم الموضعي ،تم التحول بعدها ،الى العالم (العكس موضوعي )كما تسميه ايضا اين راند،أي الانتقال الى الذات او الانا ،ومن الأمثلة التي تضرب لتعبر عن هذا التحول ،هي المقولة الشهيرة التي صاح بها بروتاغوراس (الإنسان هو مقياس الأشياء طرا) ،هذه المقولة هي الافتتاحية الرسمية التي شيدت هذا التحول في البحث عن الحقيقة ،فكما قلنا أن السؤال الفلسفي يبقى فلسفيا الان والى الابد ،كذلك نستطيع ان ندخل أي شيء الى حيز هذا السؤال عن طريق أشكلته _أي جعله موضع إشكالية ،وكما يقول أندريه كونت (لا يولد السؤال الفلسفي الا في رحم إشكالية تعطيه معناه ) فالقضية لا تصبح قضية فلسفية ما لم ينظر اليها كإشكالية ،ورغم ذلك لا نزال نجد الأدبيات الغرائبية بكثرة في تلك الفترة ،فاونومقريطس ،الذي كان يعيش في اثينا ،والذي وصلت شذراته إلينا في كتب لا ترقى الى ابعد من أرسطو او أفلاطون على اكثر ،كما يقول برهييه ،والتي تحتوي على تأويل غرائبي للوجود ،هو في الواقع اغرب واعقد من تأويلات هزيود،وهنا نجد البدائية بل والانحطاط الفكري على حد تعبير نيتشه ،(فالسماء والأرض تزاوجا لينجبا اوقيانوس)، كما ان الثيولوجين اتخذوا من الليل الدامس مبدأ لهم ،بالإضافة إلى تفسيرات تتعلق بتنين ذو ثلاثة رؤوس لوجه اله بين رأس ثور ورأس اسد ،والذي تزوج اورستيا لينجب منها بيضة ستكون في النهاية هي ام العالم والبشر ،ومن الملاحظ ان هذا لا يعدو ان يكون سوى ضربا من تخريفات الاوريفين ،الذين اثروا على الفيثاغورية أيما تأثير كما يقول كورنر ،

لقد كان عام 494 قبل الميلاد ،هو تاريخ دمار مالطية ،وانتهاء الطبيعيات والنشكونيات الايونية ،وتم الانتقال بعدها الى مركز فكري أخر ،سيلعب دورا هاما في تطور الافكار اللاحقة ،وهو الانتقال الى ايطاليا وصقليا ،مع أن جل الفلاسفة في ايطاليا كانوا ايونين ،ففيثوغورس وكزينوفانس كانا من ايونيا ،وهما اللذان اسسا فلسفة الاعداد والمدرسة الايلية ،هذا ولا تعتبر الفيثاغورية والتي تأثرت بالأوريفية ’مجرد حركة فلسفية ،بل هي تيار ديني باطني أن جاز هذا التعبير،فقد بحث فلاسفتها في الاخلاق والرياضة والدين ،وغاصوا في طقوس بدائية جدا،واشتغلوا كذلك بالسياسة ،

تأسست الفيثاغورية أول ما تأسست عام 530 قبل الميلاد ،واتخدت من ايطاليا مركزا فكريا لها ،وبقيت تمارس اعمالها كتيار فكري حتى وفاة أفلاطون ،واختفت بعدها عقب وفاة افلاطون حتى ظهر تيار جديد حظي بالعديد من التلاميذ والمريدين سمي بالفيثاغوية الجديدة ،وفي الواقع يصعب التمييز بين المرحلتين ،لأننا نرجع الى الجديدة لكي نعرف أفكار القديمة ،رغم ان الجديدة قد طالها تحريف ايضا من بعض الارسطين ،

وفي الواقع لم يخط الفيثاغورين في الفلسفة شيئا ذا بال،بل على العكس وهنالك من اعتبرهم كتيار رجعي يستلهم الأساطير الايونيا ويعيد إنتاجها بصورة او بأخرى ،ومن ناحية اعتبارها كدين ،نلاحظ انها سلكت في مسعاها اللجوء الى السرية والغموض ،وهذا ربما نتيجة وجود تيارات اخرى تمارس سلطتها جماهيريا ولا تريد للفيثاغورية بالظهور ،وإلا لما لجئت إلى السرية ،ومن الناحية السيسولوجية كان التيار السائد بشكل عام هو تيار تقدمي ونفعي ان جاز هذا التعبير ،يلجأ إلى فهم الواقع لكي يسيطر عليه ،أو يكسب جمهورا من المثقفين الذين يتسامرون في الأسواق ،وهنا ندخل في عالم السفسطائية ،هذا التيار الذي سيصبح معيار فيما بعد ،حيث سيقاس الفيلسوف ببعده أو قربه من هذا التيار ،وفي الواقع لم يلبث هذا التيار أن ازدهر حتى جاءت محنة سقراط المعروفة كما يسميها نيتشه ،فأخذت الفلسفة تروي ضمئها من منابع وأصول أخرى غير الخطابات ،وتحولت الفلسفة إلى التركيز على الذات بشكل عام ،حيث عبارة سقراط الشهير اعرف نفسك ،هي مفتاح حقبة جديدة في تاريخ الأفكار.


انتهت الحروب الميدية عام 494 قبل الميلاد ،وكفت التهديدات التي طالت اليونان لفترات سابقة عن أن تمارس دورها ،وأصبحت اليونان بمنجى عن الخطر الفارسي الذي هدد كيانها ،وقامت الإمبراطورية الأثينية بضم أجزاء من بحر الايجه تحت جناحيها،وفي عام 429 قبل الميلاد جاء بيركليس إلى أثينا ،وتبعه مد أثينا بدستور ديمقراطي على يديه ،مما اثر كامل الأثر على الحياة الفكرية والمناخ الثقافي بشكل عام في أثينا ، من فلسفة وفنون ومسرح وسياسة وغيرها من الأمور ،فكان اسخيليوس (546) على سبيل المثال يمثل على خشبة المسرح ما يتهدد اليونانيين من خطر فيما لو فكر احدهم بالتعدي على الآلهة وعدالتها المطلقة ،وكان يوربيدس يبرز الطابع البشري والإنساني لقواعد العدالة ،وراحت الملهاة الاتيكية عصرئذ ،والتي تعتبر أصولية نوعا ما ،تسخر من كل الأفكار الواردة والجديدة التي جاء بها العلم الأيوني بما يحويه من طبيعيات ونشكونيات ،وتسخر من السفسطائيين كذلك
ومن الجدير بالذكر أن الأخلاق والديانات الإغريقية عصرئذ ، خارج حدود الطوائف الاوريفية الصغرى والسرية ،كانت تقوم على العادات والتقاليد السلفية أن جاز هذا التعبير ،فلم يكن لديهم أي كتاب مقدس أو نص يؤولونه ويشتغلون بوحيه بمسائل لاهوتية ونقاشات ثيولوجية ،بل كانت هنالك الآلهة المتعددة التي يعبدونها والتي جاءتهم من الموروث القديم ،وأدت الخلخلة التي أحدثتها الحروب الفارسية إلى تقلص دور التراث ،وهذا شيء طبيعي من ناحية علم الاجتماع الحضاري ،فأصبح هنالك نوع من الانفلات من اسر التقاليد والعادات المتوارثة ،ولقد كان للفلسفة الأيونية دور كبير في تمزيق هذا التراث ،دون أن تضع بديلا له .

أن الفلسفة الطبيعية الأولى ، كانت ستظل في حصون المسكوت عنه وتغيب عن قلعة الأحداث لو لم تظهر حركة أخرى سيطرت على الحياة السياسية والشعبية في أثينا ، هذه الحركة التي كرس أفلاطون كافة محاوراته لنقد أسسها وكشف الزيغ والتظليل التي مارسته على الشعب الأثيني عصرئذ ،وهي السفسطائية ، تلك الحركة التي أتت كحد فاصل بين حقبتين ، وفي زمن انقلبت فيه المعايير الأخلاقية والمفاهيمية ، وأصبح الفيلسوف أو الحكيم في وقتها أشبه ما يكون بالبائعة المتجولين ، يتسامرون في الأسواق والساحات العامة و يعلمون الناس الحكمة "الخطابية " مقابل ثمن يتقاضاه السفسطائي ، وأدت الحروب الفارسية اليونانية إلى زعزة الأوضاع السيسولوجية في اثينا ، فبعد ان كانت أثينا تتكون من اقانيم صغيرة في ثالوث الاستقلال ولا يحكمها الا الطغاة او الارستقراطيين ، تحولت شيئا فشيئا الى دولة ذات دستور ديمقراطي ، وشوهدت مدن تخرج للسيطرة على الأجزاء البحرية من اليونان ، وتحولت اثينا الى امبراطورية ، واصبحت الجماعات البشرية على اهبة الاستعداد للدفاع عن اراضيهم ضد الغرباء والبرابرة ..

وفي ظل ازمات ممتالية منيت بها اثينا جراء محاربتها مع مدن أخرى مجاورة ونتيجة التحول الاجتماعي والمعرفي الذي حصل انئئذ وانتقال الشعب إلى سدة الحكم وظهور فئات ثورية ألبت العصيان على التقاليد والأحكام العرفية القديمة ، اصبح المناخ الفكري والثقافي في اثينا ينثر الرماد في وجه التقدم ويثير زوبعة من الشكوك في نفسية وعقلية الأثينيين ، فعاشت أثينا مرحلة عبر عنها أحدهم يوما عندما قال : أن ربة الحكمة اقسمت على اليونانين ان تحرمهم من ناي الفلسفة لحول معلوم .....

ومن الناحية السيسولوجية والانثروبلوجية ، ونتيجة سيطرة الشعب على كافة السلطات المرئية والمسكوت عنها ، كان لزاما على اليونانيين أن يتعلموا فن الإقناع والخطابة والبلاغة ، التي بزغت عصرئذ كخطاب جديد ، ولهذا الاسباب ظهرت ثلة من المعلمين تعلم الناس امور حياتهم وسعادتهم ، وتهدف الى كسب الجماهير ، لا عن طريق العقل والحجة العقلية ، بل عن طريق الاقناع والفذلكة الكلامية التي كان يمقتها سقراط اشد المقت كما يخبرنا أفلاطون ، ولا مندوحة من ان يدافع السفسطائي عن القضية ونقيضها في ان، لطالما كان الهدف هو النسبية المطلقة التي كانت تسيرهم على هواهم ،الم يقل انكساغوراس يوما أن الإنسان هو مقياس الأشياء طرا ..وما دام انكساغوراس كان مؤمنا في الحواس فقط ، فانه من اليسير عليه ان يقول ان الاشياء في تدفق مستمر ، وانه لا وجود لشيء ثابت ، وانه لا يصح ان يقال عن شيء انه موجود بل هو يصير فقط ، والصحيح بالنسبة لنا اليوم قد يتحول الى خطأ بالنسبة لغيرنا ، فكل شيء نسبي تحكمه شروط الملاحظ وإدراكه ، فأنجرف الوجود والمعرفة الى سيل من الصيرورات المتغيرة ، وتلاشى كل شيء مطلق وتلاشت الأنساق والانطمة الشاملة ولم يبق الا المنفعة والنجاح مقياسا للأشياء والوجود ....

هذه المناخات الفياضة والحيوات المتغيرة كان لها وقعا خاصا على فلسفة أفلاطون التي استقت منابعها من أجواء السفسطائيين العبثية ، ولكن الأثر الأكبر الذي ترك خيوطه على هذا النسيج الأعظم من فلسفة أفلاطون هو تتلمذه على يد سقراط ، إمام الحكماء ومؤسس الحكمة ، لم يخط شيئا بيده وكل ما تركه لنا التاريخ عن هذا الحكيم هو ما دونه أفلاطون واكسنوفون وارسطوفانس ، ومن الصعوبة بمكان وزمان ، ان نعيد انتاج الصورة الاولى لسقراط ، بسبب تضارب اراء كل من أفلاطون واكسنوفون وارسطوفان في وصفه ، ولعل أصدقها كما اجمع المؤرخون هو رأي أفلاطون في أستاذه ، وهذا ما قاله امييل برهييه في موسوعته وكذلك ما ذكرته كامبردج وغوتنبرغ في موسوعاتها ايضا ، فصورة سقراط في محاورات أفلاطون وخصوصا (الدفاع ) و(المأدبة ) و( فيدون) مغايرة تماما لصورته عند اكسنوفون وارسطوفان، فهذا الأخير صوره لنا كأنه في عداد السفسطائيين يدافع عن أرائهم ويحب (الفذلكة الجدلية ) بعكس ما رواه أفلاطون في (بروتاغوراس ) من أن سقراط ، وعلى كرهه للسفسطائيين ، كان يأخذ عنهم ما يفيده ومذهبه ، فهذه صورة أكثر موضوعية عن سقراط ، نستطيع أن نأخذها من أفلاطون ،التلميذ النجيب الذي عني بالمحافظة على أفكار أستاذه ،وطورها بمنأى عن الخرافات والأساطير التي كانت سائدة في عصره ...

ولابد هنا من تنويه ، وهو الفرق بين شخصيتين ملتبستين ،وعادة ما يتم الخلط بينهما بسبب معاصرتهما لبعضهما البعض، والشبه الخداع بين اسميهما فالأول هو اكسنوفان xenophanes والثاني هو اكسنوفون xenophons
فالثاني هو الذي يهمنا هنا لأنه من مدوني فلسفة سقراط ، إما الأخر فهو اكسنوفان، شاعر موهبة فلسفية كما وصفة جيمس لاشر ، والفريد الذي قدمه هذا الشاعر بالنسبة إلى الفلسفة ، هو تبنيه لنزعة نقدية تجاه التجسيم في الإلهيات anthropomorphism ، أو ما عرف في العصور الوسطى بظاهرة التشكيل الإلهي أو تصور الإله على أنه جسم له امتدادات ويحتل مساحات ويسكن في جسد ،
وهذا ما يعتبر ظاهرة فريدة في الفكر اليوناني التي وبالرغم من التطور الفكري ، لم تصل إلى التوحيد monotheism بعد ، بل أن قضايا التجسد والشكل والإله وغيرها من اللاهوتيات ظلت برسم التجديد الميتافيزيقي في العصور الوسطى ولم تحل رسميا وضمنيا إلا عند قدوم ديكارت ، فتوماس الاكويني مثلا ناقش هذه المسائل وأدخل نفسه في حوارات مع الهراطقة والمارقين عن الدين في كتابه الخلاصة اللاهوتية ، لقد كان اكسنوفان يتجاوز عصره بكثير ،وخصوصا أنه عاش في مجتمعات بدائية من الناحية الانثروبلوجية لم تكن تعرف معنى الإيمان بالإله الواحد ،لقد تحدث عنه أفلاطون في محاورة السفسطائي وأرسطو في الميتافيزيقيا على انه مؤسس الفلسفة الايلية وعلى انه كان من اشد النقاد للشعراء الذين تناولوا الآلهة في أشعارهم، ودافع عن الطبيعة الإلهية ، وتجردها (عما يحاك ضدها من بيني البشر) وكان مقتنعا بان الله ذو طبيعة مفارقة للإنسان والعالم ...

في كتابه حياة الفلاسفة تناول ديوجينس سيرة حياة اكسنوفان كما تناول كلا من أفلاطون وارسطوفان واكسنوفون ، تلامذة سقراط ،ومدوني فلسفته ، فيقول أن اكسنوفان ولد من دزيوس في مدينة أيونية صغيرة عام 540 قبل الميلاد تقريبا ،وفي وقت لاحق طرد اكسنوفان من موطنه عقب غزو الميديين بقيادة هارباغوس لأيونيا ، وامضي حياته ينقد أشعار هوميروس وهزيود خارج أيونيا إلى أن عاد إليها متأخرا ..



#رعد_خالد_تغوج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يحمي مُؤسسة العرش يا أمجد العضايلة !!
- لماذا لا يعقد فيصل الشوبكي مؤتمراً صحفياً ؟
- وجه أخر للبخيت والبخيتية السياسية
- تهويد الأردن والمسلمين بولنديا !!!
- الأردن .. من حكومة أزمات الى شعب يفتعل الازمات
- رسالة مفتوحة الى طارق خوري
- عمان...تل أبيب والعلاقة الغير الشرعية
- الازمة الاردنية والخيار الفلسطيني!
- الحكومة الاردنية والوضع الحرج!
- الشاعر الذي ألهب العراق و وضع كفه فوق أكفهم لتخليده
- سيوفهم علينا !
- ازمة اردنية لن تحل!
- الشعب الاردني النائم
- التفلسف والتراث
- تجديد الخطاب المعرفي
- الثقافة الاردنية على المحك


المزيد.....




- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- ادعى أنه رجل دين يعيش في إيطاليا.. الذكاء الاصطناعي يثير الب ...
- “TV Toyour Eljanah”‏ اضبطها حالا وفرح عيالك.. تردد قناة طيور ...
- إنشاء -جيش- للشتات اليهودي بدعم من كيان الاحتلال في فرنسا
- بينهم 5 أمريكيين.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل سبعة يهود حاولوا ...
- اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ممتعة لاحلي اغ ...
- لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا ...
- -باسم يوسف- يهاجم -إيلون ماسك- بشراسة ..ما السبب؟
- إسرائيل تغتال قياديا بارزا في -الجماعة الإسلامية- بلبنان
- -بعد استعمال الإسلام انكشف قناع جديد-.. مقتدى الصدر يعلق على ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رعد خالد تغوج - جينالوجيا الخطاب الغربي المعاصر